الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
ذكر الذهب لغوا لأن بائع الحنطة بالذهب إذا أخذ في الذهب تمرا لم يحصل بيده الإطعام بدلا من طعام باعه إلى أجل قال عيسى بن دينار سألت بن القاسم عن رجل باع طعاما بمائة دينار إلى شهر فلما حل الأجل اشترى بائع الطعام من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن قال لا بأس به قال مالك وإنما نهى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو بكر بن حزم وبن شهاب عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب فذكر مسألة ((الموطإ)) إلى آخر قوله فيها قال عيسى قلت لابن القاسم فلو أحال الذي عليه المائة الدينار بائع الطعام على غريم له عليه مائة دينار فيجوز لبائع الطعام أن يأخذ من الذي أحال عليه بالمائة طعاما قال لا يجوز ذلك قال أبو عمر لا فرق بين ذلك في قياس ولا أثر لأنه طعام مأخوذ من ثمن طعام من غير المشتري له قال أبو عمر وقد أجاز جماعة من أهل العلم لمن باع طعاما إلى أجل فحل الأجل أن يأخذ بثمن طعامه ما شاء طعاما وغيره وكذلك اختلفوا في الرجل يبيع سلعته بدراهم إلى أجل فحل الأجل هل له أن يأخذ فيها ذهبا أم لا فمذهب مالك وأصحابه أن ذلك جائز في الدراهم من الدنانير والدنانير من الدراهم يأخذها لما اتفقا عليه من الصرف في حين التراضي قبل الافتراق وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إذا تقابضا في المجلس وقال عثمان البتي يأخذ الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير بسعر يومه فإن افترقا لم يجز عند جميعهم وكان على المبتاع الدراهم التي ابتاع بها السلعة حتى يتفقا ويتقابضا قبل الافتراق ولم يجز مالك ولا أبو حنيفة أن يأخذ من ثمن الطعام المبيع إلى أجل طعاما وجعلوه طعاما بطعام ليس يدا بيد قال مالك فيمن له على رجل دراهم حالة فإنه يأخذ دنانير عنها إن شاء وإن كانت إلى أجل لم يجز أن يبيعها بدنانير ويأخذ في ذلك عوضا إن شاء. وقال أبو حنيفة وأصحابه جائز أن يأخذ الدنانير بالدراهم والدراهم من الدنانير حل الأجل أو لم يحل إذا تقابضا في المجلس. وأما الشافعي فقوله في أخذ الدراهم من الدنانير واخذ الدنانير من الدراهم وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال في الطعام من ثمن الطعام بخلافهما لا فرق عنده بأخذ الدنانير من دراهم أو طعام من ثمن طعام مخالف لاسمه قال ومن باع طعاما إلى أجل فحل الأجل فلا بأس أن يأخذ بالثمن طعاما وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن البصري وبن سيرين وجابر بن زيد وروى الثوري عن حماد فيمن باع طعاما إلى أجل ثم حل الأجل فلا بأس أن يشتري منه بدراهمه طعاما وهو قول بن شبرمة وكرهه عطاء وقال الثوري لا بأس به وقال مرة أخرى أحب إلي ألا يأخذ شيئا مما يكال أو يشرب وقال بن شبرمة لا يجوز أن يأخذ عن دراهم دنانير ولا عن دنانير دراهم وإنما يأخذ ما أقرض وعين ما باع قال أبو عمر قول بن شبرمة صده قول مالك في الوجهين لأنه أجازه في الطعام وكرهه في الدراهم وقال الحسن بن حي أكره أن يأخذ في ثمن ما يكال شيئا يكال ويأخذ ما لا يكال وكذلك إذ باع ما لا يوزن أكره أن يأخذ شيئا يوزن ويأخذ ما لا يوزن لا يأخذ من الحنطة تمرا ولا من السمن زيتا وهو قول بن شهاب وقال الليث بن سعد إذا كان له عليه دين مؤجل دونهم ولكن عليه دنانير لم يجز أن يبيع أحدهما بالآخر لأنه صرف إلى أجل ولو كان الأجل حل وهذا كقول مالك سواء وروى الشيباني عن عكرمة عن بن عباس أنه كره اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب وعن بن مسعود مثله وعن بن عمر أنه لا بأس به وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة قال قلت لعمرو بن دينار أرأيت إذا بعت طعاما بذهب فحلت الذهب فجئت أطلبه فلم أجد عنده ذهبا فقال خذ مني طعاما فقال كره طاوس أن يأخذ منه طعاما وقال أبو الشعثاء إذا حل دينك فخذ ما شئت قال. وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين قال إذا بعت شيئا طعاما أو غيره بدين فحل الأجل فخذ ما شئت من ذلك النوع أو غيره قال. وأخبرنا الثوري عن حماد وبن سيرين عن رجل باع حنطة بدين إلى أجل قال يأخذ طعاما وغير ذلك إذا حل قال. وأخبرنا معمر عن تميم بن خويص أنه أخبره عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد قال إذا بعت بدنانير فحل الأجل فخذ بالدنانير ما شئت. وأخبرنا معمر عن الزهري قال إذا بعت شيئا مما يكال أو يوزن بدينار فلا تأخذ شيئا مما يكال أو يوزن إلا أن يصرفك إلى غير ذلك وأن بعت شيئا مما يكال فصرفك إلى شيء مما يوزن فخذه إلا أن يكون طعاما قال أبو عمر المكيل كله عنده صنف واحد وهو مذهب أكثر الكوفيين فلا يجوز عندهم أن يؤخذ من الصنف الواحد غيره لمن وجب ذلك له من بيع أو سلم ولا أرى أن يأخذ من الصنف بدلا من ثمنه إلا مثل ما أعطى لا زيادة كما لا يجوز عند مالك في البر إذا باعه أن يأخذ في ثمنه تمرا أو زبيبا ولا أن يأخذ برا إلا مثل كيل البر الذي باعه في صفته وجود به لأنه بعده حينئذ برضا جر زيادة وسنذكر الأصناف عند مالك وغيره في باب بيع الطعام بالطعام إن شاء الله تعالى قال أبو عمر أما من كره أن يأخذ من الدراهم دنانير ومن الدنانير دراهم فحجته حديث أبي سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز ففي قوله لا تبيعوا منها غائبا بناجز ما يدل على أنه لا يجوز أن يأخذ من الدراهم دنانير لأن الغائب منها ما في الذمة من الدين والناجز ما يأخذه وهو مذهب بن عباس وبن مسعود ومن قال بقولهما على ما ذكرنا عنهم في هذا الباب. وأما من أجاز أخذ الدراهم من الدنانير والدنانير من الدراهم حجته حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((لا بأس بذلك إذا كان بسعر يومكما)). حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب قالا حدثني حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها)). قال أبو داود رواه إسرائيل عن سماك لم يذكر فيه بسعر يومهما قال أبو عمر حديث إسرائيل حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد بن مثنى الصائغ قال حدثني محمد بن سائق قال حدثني إسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال كنت أبيع الإبل ببقيع الفرقد كنت أبيع البعير بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يدخل حجرته فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا أخذت أحدهما بالآخر فلا تفارقه وبينك وبينه بيع)) ورواها أبو الأحوص عن سماك بنحو رواية إسرائيل فمن أجاز ذلك في الدين الحال والآجل قال لما لم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك دل على استواء الحال عنده ولو كان بينهما فرق في الشرع لوقفه عليه ومن قال لا يجوز إلا في الحال دون الآجل قال والآجل هو الغائب الذي لا ينسب بيعه بناجز ولا بغائب مثله وإنما الحال بالذمة فيه كالعين الظاهرة إذا اجتمعا وتقابضا ولم يفترقا إلا بعد القبض ومن جعل الطعام بالطعام كالدنانير بالدراهم في ذلك قال لما أجمعوا أن البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء وثبتت بذلك السنة المجتمع عليها ثم وردت السنة في حديث بن عمر في أن قبض الدنانير من الدراهم جائز لا بأس به كانت مفسرة كذلك وكان قبض الطعام من ثمن الطعام كقبض الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير لأنه بيع مستأنف لم يمنع الله منه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ومن فرق بين الطعام من الطعام وبين الدراهم من الدنانير ترك القياس ولم يعد بالرخصة موضعا. وأما بن شبرمة في تجويزه ذلك في الطعام من الطعام وإبايته لذلك في الدنانير من الدراهم فلأنه لم يبلغه حديث بن عمر ورأى أن ثمن الطعام جائز لربه التصرف فيه بما شاء من المبتاع وغيره وأنه لا يحل تهمة مسلم ولو قضى بالظن عليه أنه أراد طعاما بطعام إلى أجل والربا لا يكون إلا لمن قصد إليه وأراده كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه إنما الربا على من أراد أن يربي وقد تقدم في باب الصرف حكم التصارف في الدينين. 1302- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه أو تمر لم يبد صلاحه قال أبو عمر قد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق الفقهاء على ذلك إذا كان المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى حلول الأجل واختلفوا فيما سوى ذلك فأما الحديث المسند في هذا الباب فقال حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير الرازي عن أبي المنهال واسمه عبد الرحمن بن مطعم المكي عن بن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم)) وقال بن عباس أشهد أن السلم المضمون إلى أجل معلوم قد أحله الله - عز وجل - في كتابه وأذن فيه فقال الله تعالى (يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) البقرة 282. وأما اختلاف الفقهاء في ذلك فقال مالك والشافعي يجوز السلم في التمر قبل حينه إذا كان مثله موجودا في أيدي الناس وقت حلول الأجل في الغالب فإن كان ينقطع حينئذ لم يجز وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور واحتج الشافعي بحديث بن عباس هذا قال والرطب من التمر فقد أجاز السلم فيه قبل حينه إذا أجازه السنتين والثلاث قال أبو عمر من الحجة لمالك والشافعي أيضا في ذلك ما رواه شعبة وغيره عن عبد الله بن أبي المجالد قال سألت عبد الله بن أبي أوفى عن السلف فقال كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمح والشعير والتمر والزبيب إلى أجل معلوم وكيل معلوم وما هو عند صاحبه أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا شعبة فذكره. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز سلم إلا أن يكون المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى وقت حلول الأجل فإن كان منقطعا في شيء من ذلك لم يصح ولم يجز وقال الأوزاعي والثوري لا يجوز السلم إلا فيما كان في أيدي الناس منه شيء ولا يجوز إذا لم يكن في أيدي الناس منه شيء وقال الحسن بن حي لا يكون السلم إلا فيما لا يكون من السنة حين إلا وهو يوجد فيه كقول أبي حنيفة وقال الليث أكره السلم في الفاكهة الرطبة قبل أوانها قال أبو عمر إنما كره السلم بما ينقطع ولا يوجد بأيدي الناس العام كله والله أعلم من كرهه لأنهم يقولون من مات حل دينه فإذا لم يوجد كان عذرا والسنة أولى من كل من يرد النصوص بقياس على غيرها وليس في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يخلق وعن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ما يرد حديث السلم لأن ذلك بيع عين غير مضمونة وهذا بيع شيء موصوف ومضمون في الذمة وتقرير ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إلا في السلم ولم يختلفوا أنه لا يجوز السلم في شيء بعينه إلى أجل وهذا معنى قول بن عمر في زرع لم يبد صلاحه وتمر لم يبد صلاحه قال مالك الأمر عندنا فيمن سلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمي فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما ابتاع منه فأقاله فإنه لا ينبغي له أن يأخذ منه إلا ورقة أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه وإنه لا يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى قال مالك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى قال أبو عمر اختلف الفقهاء في الشراء برأس مال المسلم من المسلم إليه شيئا بعد الإقالة فقول مالك ما وصفه في موطئه لا يجوز حتى يقبض منه رأس ماله قبضا صحيحا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن إلا أن مالكا لا يرى غير الطعام في ذلك كالطعام وإذا تقايلا عنده في غير الطعام جاز أن يأخذ من الطعام برأس ماله ما شاء إذا خالف جنس ما تقايلا فيه وتعجل ذلك ولا يؤخره وكذلك جائز عنده أن يشتري منه من غيره من جنسه وغير جنسه ويحيل عليه وإذا تقايلا في الطعام سلما كان أو غيره لم يجز له أن يأخذ منه برأس ماله شيئا من الأشياء لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى. وأما أبو حنيفة وأصحابه فلا يجوز عندهم شيء من ذلك في الطعام ولا في غيره من العروض كلها وهو قول أحمد وإسحاق قالا بيع السلم من بائعه ومن غيره قبل قبضه فاسدة وحجتهم حديث عطية الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من سلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره)) وما روي عن جماعة من السلف أنهم قالوا حين سئلوا عن ذلك خذ ما سلمت فيه أو رأس مالك ولا تأخذ غير ذلك روي ذلك عن بن عمر والحسن وعكرمة وجابر بن زيد وغيرهم وحجة مالك قد أوضحها على مذهبه. وقال الشافعي والثوري وزفر لا بأس أن يشتري السلم إذا أقال من سلمه ما شاء برأس ماله من المسلم إليه ومن غيره قبل قبضه له لأنه قد ملك كل واحد منهما بالإقالة البدل منها فإذا ملك رأس ماله بالإقالة جاز له التصرف فيه لأن العقد الأول قد بطل بالإقالة ولا حجة لمخالفة في حديث أبي سعيد الخدري وما كان مثله لأنه لم يصرف ما سلم فيه في غيره ومعنى النهي عن ذلك عندهم هو بيع ما سلم فيه قبل استيفائه فذلك هو صرفه قال أبو عمر أصل هذه المسالة عند مالك وأصحابه الحكم بقطع الذرائع كان المسلم والمسلم إليه لما علما أن فسخ البيع في شيء آخر لا يجوز ذكر الإقالة ذكرا لا حقيقة له يستجيز بذلك صرف الطعام في غيره وذلك بيعه قبل استيفائه وقد أجمعوا أنه لو لم يستقيل لم يجز له صرف رأس المال في غيره كما لا يجوز له صرف رأس ماله في دراهم أو دنانير أكثر منها قال مالك فإن ندم المشتري فقال للبائع أقلني وأنظرك بالثمن الذي دفعت إليك فإن ذلك لا يصلح وأهل العلم ينهون عنه وذلك أنه لما حل الطعام للمشتري على البائع أخر عنه حقه على أن يقيله فكان ذلك بيع الطعام إلى أجل قبل أن يستوفى قال مالك وتفسير ذلك أن المشتري حين حل الأجل وكره الطعام أخذ به دينارا إلى أجل وليس ذلك بالإقالة وإنما الإقالة ما لم يزدد فيه البائع ولا المشتري فإذا وقعت فيه الزيادة بنسيئة إلى أجل أو بشيء يزداده أحدهما على صاحبه أو بشيء ينتفع به أحدهما فإن ذلك ليس بالإقالة وإنما تصير الإقالة إذا فعلا ذلك بيعا وإنما أرخص في الإقالة والشرك والتولية ما لم يدخل شيئا من ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة فإن دخل ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع قال أبو عمر الأصل الذي ذكرناه في المسألة قبل هذه يغني عن القول في هذه ولم يختلف العلماء أنه إذا أقاله في جميع السلم وأخذ منه رأس ماله في حين الإقالة فإنه جائز وأن له التصرف فيه كيف شاء معه ومع غيره إذا بان بما قبض من رأس المال إلى نفسه وإنما اختلفوا في الشركة والتولية ويأتي ذلك بعد إن شاء الله عز وجل وإنما كره مالك له النظرة بالثمن لأنها عنده كالزيادة وإذا كانت كذلك صارت بيعا في الطعام قبل قبضه على أن مذهبه جواز الإقالة في بيع الطعام قبل بيعه لكن برأس المال لا زيادة وسيأتي القول في الإقالة من بيع الطعام والتولية فيه والشركة في باب جامع بيع الطعام إن شاء الله عز وجل ولسائر العلماء في التأخير برأس المال بعد الإقالة في السلم قولان أحدهما أنه لا يجوز لأنه من باب فسخ دين في دين والآخر أنه جائز لأن الإقالة معروف وفعل حسن مندوب إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أقال مسلما صفقته أقال الله عثرته ومن أنظر معسرا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)). قال مالك من سلف في حنطة شامية فلا بأس أن يأخذ محمولة بعد محل الأجل قال مالك وكذلك من سلف في صنف من الأصناف فلا بأس أن يأخذ خيرا مما سلف فيه أو أدنى بعد محل الأجل وتفسير ذلك أن يسلف الرجل في حنطة محمولة فلا بأس أن يأخذ شعيرا أو شامية وإن سلف في تمر عجوة فلا بأس أن يأخذ صيحا نيا أو جمعا وإن سلف في زبيب أحمر فلا بأس أن يأخذ أسود إذا كان ذلك كله بعد محل الأجل إذا كانت مكيلة ذلك سواء بمثل كيل ما سلف فيه قال أبو عمر هذا كله لا خلاف فيه إلا في قبض الشعير من القمح عند محل الأجل أو بعده فإن ذلك لا يجوز عند كل من يجعل الشعير صنفا غير القمح والقمح كله عند الجميع صنف واحد كماء الشعير صنف واحد وكماء الزبيب أحمره وأسوده صنف واحد وكذلك التمر وضروبه والسلت عندهم صنف واحد والذرة صنف والدخن صنف وما أشبه ذلك كله فإذا سلف في صنفه من ذلك الصنف وأخذ عند محل الأجل أو بعده أرفع من صفته فذلك إحسان من المعطي وإن أخذ أدون فهو تجاوز من الآخذ وفي الباب بعد هذا زيادة بيان في معنى هذا الباب والله الموفق للصواب وإنما اختار مالك -والله أعلم- لفظ سلف في طعام وسلف في كذا والسلعة في الطعام والسلعة في العروض ونحو هذا من لفظ السلف وإن كان لفظا مشتركا لجميع القرض والسلم ولم يكثر في موطئه كله ذكر السلم لما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه أنه كان يقول الرجل أسلمت في كذا ويقول إنما الإسلام لله رب العالمين. 1303- مالك أنه بلغه أن سليمان بن يسار قال فني علف حمار سعد بن أبي وقاص فقال لغلامه خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله قال أبو عمر مذهب سعد بن أبي وقاص في أن البر عنده والسلت والشعير صنف واحد لا يجوز بيعه بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد ألا ترى إلى حديث مالك في باب ما يكره من بيع التمر عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش أنه أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال سعد أيهما أفضل قال البيضاء فنهاه عن ذلك والبيضاء الشعير ها هنا معروف ذلك عند العرب بالحجاز كما أن السمراء البر عندهم وإلى مذهب سعد في هذا ذهب مالك وإياه اختار وعليه أصحابه. 1304- مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته فقال لغلامه خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله قال أبو عمر كان عبد الرحمن بن الأسود من كبار التابعين بالمدينة ومذهب سليمان بن يسار في أن الشعير لا يجوز بالبر إلا مثلا بمثل كمذهبه وقد روى هذا الحديث أيوب السختياني عن سليمان بن يسار ذكره معمر عن أيوب عن سليمان بن يسار قال أعطى عبد الرحمن بن الأسود صاعا من حنطة بصاعين من شعير علفا لفرسه فأمرهم برده. 1305- مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد عن بن معيقيب الدوسي مثل ذلك قال مالك وهو الأمر عندنا هكذا روى يحيى هذا الحديث فقال فيه عن بن معيقيب وتابعه بن بكير وبن عفير. وأما القعنبي وطائفة فإنهم قالوا عن معيقيب وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه رأى معيقيبا ومعه صاع من شعير قد استبدله بمد حنطة فقال له عمر لا يحل لك إنما الحب مدا بمد وأمره أن يرده إلى صاحبه فاحتمل أن يكون عمر رأى الحبوب كلها صنفا واحدا واحتمل أن يكون الشعير والبر عنده فقط صنفا واحدا وهو مذهب أكثر أهل العلم وأهل الشام وبه قال الأوزاعي في البر والشعير هما عنده صنف واحدة لا يجوز بعضها ببعض إلا مثلا بمثل. وأما اختلاف فقهاء الأمصار في هذا الباب فقد ذكرنا مذهب مالك وأصحابه في ذلك وبه قال الأوزاعي في البر والشعير وقال الليث بن سعد لا يصلح الشعير بالقمح إلا مثلا بمثل وكذلك السلت والذرة والدخن والأرز لا يباع بعض ذلك كله ببعض إلا مثلا بمثل لأنه صنف واحد وهو مما يختبز وقال والقطاني كلها العدس والحمص والحلباء والفول يجوز فيها التفاضل لأن القطاني مختلفة الطعم واللون والخلف قال أبو عمر لم يختلف قول مالك أن الدخن صنف منفرد وكذلك الذرة صنف والأرز صنف جائز التفاضل بينهما وكذلك العدس صنف عند أكثر أصحاب مالك وقال بن كنانة هو صنف من الحنطة وهو قول الشافعي واختلف قول مالك في القطاني فقال بن وهب القطاني كلها صنف واحد ورواه عن مالك لا يجوز إلا مثلا بمثل وروى أشهب عن مالك قال الحمص والعدس صنف واحد وسائر القطاني أصناف وروى بن القاسم عن مالك قال القطاني كلها أصناف مختلفة الفول والعدس والحمص ولا بأس في التفاضل في بيع بعضها ببعض وهو قول سحنون واكثر أصحاب مالك وقال بن القاسم وأشهب الجلبان والبسلة صنف واحد والحمص واللوبياء صنف واحد وما عدا ذلك من القطاني فأصناف مختلفة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم البر والشعير صنفان مختلفان والسلت صنف كما أن الدخن صنف والذرة صنف وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود وبن علية والقطاني كلها عندهم أصناف مختلفة قال أبو عمر أما حجتهم في أن البر والشعير صنفان يجوز فيهما التفاضل فمنها ما رواه الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل وبيع الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيد والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد)) وذكره عبد الرزاق ووكيع عن الثوري وفي لفظ وكيع ((وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد)). وحدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني بن علية عن خالد الحذاء قال أحمد بن شعيب. وأخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال حدثني يزيد بن ذريع قال حدثني عبادة عن أبي الأشعث قال حدثني عبادة بن الصامت قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء فمن زاد أو ازداد فقد أربى )) اللفظ مجمل والطرق بهذا عن عبادة كثيرة جدا قد ذكرنا كثيرا منها في ((التمهيد)) ومنها ما حدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال حدثنا يزيد قال حدثنا سلمة وهو بن علقمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عتيك قالا جمع المنزل بين عبادة بن الصامت ومعاوية حدثهم عبادة قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر قال أحدهما والملح بالملح ولم يقله الآخر إلا مثلا بمثل يدا بيد وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا قال أحدهما فمن زاد أو ازداد فقد أربى قال أحمد بن شعيب. وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد قال حدثني مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد قالا جمع المنزل بين عبادة بن الصامت وبين معاوية فقال عبادة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر قال أحدهما والملح بالملح ولم يقل الآخر إلا سواء بسواء مثلا بمثل قال أحدهما من زاد أو ازداد فقد أربى ولم يقل الآخر وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا فبلغ هذا الحديث معاوية فقام فقال ما بال رجال يحدثون أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحبناه ولم نسمعه منه فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فأعاد الحديث فقال لنحدثن بما سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم معاوية وهو مذهب عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة والحسن وأهل البصرة وأكثر أهل الكوفة وروى معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال ما اختلفت ألوانه من الطعام فلا بأس به يدا بيد. وأخبرنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد واستزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه)). وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب أكثرهما يدا بيد ولا بأس ببيع الحنطة بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد. وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عاصم بن علي بن عاصم قال حدثني الربيع بن صبيح عن بن سيرين عن أنس بن مالك وعبادة بن الصامت أنهما قالا لا بأس بأكثر البر بالشعير اثنين بواحد يدا بيد ويرفعانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى مسلمة بن علقمة عن بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد عن عبادة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالورق والبر بالشعير كيف شئنا يدا بيد ومن الحجة في هذا أيضا حديث مالك عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء)) ففصل بين البر والشعير كما فصل بين الشعير والتمر بواو فاصلة ولو كان البر والشعير صنفا واحدا لما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما كما لم يفرق بين صنف من الذهب وصنوف الفضة وصنوف التمر وكما لم يفرق العلماء بين صنوف الزيت ومعلوم أن بعضه أجود من بعض قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن لا تباع الحنطة بالحنطة ولا التمر بالتمر ولا الحنطة بالتمر ولا التمر بالزبيب ولا الحنطة بالزبيب ولا شيء من الطعام كله إلا يدا بيد فإن دخل شيئا من ذلك الأجل لم يصلح وكان حراما ولا شيء من الأدم كلها إلا يدا بيد قال مالك ولا يباع شيء من الطعام والأدم إذا كان من صنف واحد اثنان بواحد فلا يباع مد حنطة بمدي حنطة ولا مد تمر بمدي تمر ولا مد زبيب بمدي زبيب ولا ما أشبه ذلك من الحبوب والأدم كلها إذا كان من صنف واحد وإن كان يدا بيد إنما ذلك بمنزلة الورق بالورق والذهب بالذهب لا يحل في شيء من ذلك الفضل ولا يحل إلا مثلا بمثل يدا بيد قال أبو عمر أجمع الفقهاء من التابعين فمن بعدهم أنه لا يجوز الورق بالورق إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الذهب بالذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر وقد ذكرنا ما شذ فيه معاوية وما شذ فيه بن عباس أيضا فيما سلف من كتابنا والحجة في السنة لا فيما خالفها من الأقوال التي هي جهالة يلزم ردها إلى السنة وقول مالك في الطعام كله والأدام أنه لا يجوز في شيء منه النسيئة وقول جمهور علماء الأمة وقد ذكرنا في هذا الباب ما يدل على صواب القول في الأصناف مما يقطع عند ذوي الأفهام الاختلاف والحمد لله وشذ داود فأجاز النسيئة والتفاضل فيما عدا البر والشعير والتمر والملح من الطعام والادام لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعموم قول الله عز وجل (وأحل الله البيع) [البقرة 275]. فلم يضم إلى النسيئة المنصوصة في حديث عبادة وغيره شيئا غيرها وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر والملح وشذ بن علية في ذلك أيضا فقال إذا اختلف النوعان كالبر بالشعير والبر بالزبيب فليس بواحد بأضعاف الآخر يدا بيد ونسيئة - قياسا لكل ما يكال على ما يوزن قال ولما اجمعوا في الموزونات أنها جائز أن يشتري الحديد والقطن والعصفر وما يوزن من مثل ذلك كله كالذهب والفضة اثنان بواحد نقدا أو نسيئة لأنه لا يشبه الذهب والفضة شيء من الموزون فكذلك في القياس كل شيء يكال أبعد شبها من الذهب والفضة وأحرى أن يكون واحد بأضعافه بالنقد والنسيئة قال أبو عمر ما أصاب وجه القياس ولا اتبع الجمهور ولا اعتبر الآثار ولا أعلم له ولداود سلفا فيما ذهبا إليه من ذلك مع تضاد أصولهما في القياس إلا حديث يرويه بن جريج عن إسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى أن نافعا أخبرهما أن بن عمر باع تمرا بالغابة صاعين بصاع حنطة بالمدينة وقد روي عن ربيعة وأبي الزناد نحو ذلك قال مالك وإذا اختلف ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب فبان اختلافه فلا بأس أن يؤخذ منه اثنان بواحد يدا بيد ولا بأس أن يؤخذ صاع من تمر بصاعين من حنطة وصاع من تمر بصاعين من زبيب وصاع من حنطة بصاعين من سمن فإذا كان الصنفان من هذا مختلفين فلا بأس باثنين منه بواحد أو أكثر من ذلك يدا بيد فإن دخل ذلك الأجل فلا يحل قال مالك ولا تحل صبرة الحنطة بصبرة الحنطة ولا بأس بصبرة الحنطة بصبرة التمر يدا بيد وذلك أنه لا بأس أن يشترى الحنطة بالتمر جزافا قال مالك وكل ما اختلف من الطعام والأدم فبان اختلافه فلا بأس أن يشترى بعضه ببعض جزافا يدا بيد فإن دخله الأجل فلا خير فيه وإنما اشتراء ذلك جزافا كاشتراء بعض ذلك بالذهب والورق جزافا قال مالك وذلك أنك تشتري الحنطة بالورق جزافا والتمر بالذهب جزافا فهذا حلال لا بأس به قال أبو عمر على ما رسمه مالك وذكره من هذا مذهب الشافعي والكوفي وجمهور العلماء في تحريم النسيئة في الطعام بعضه ببعض من صنف واحد كان أو من صنفين مختلفين وتحريم النسيئة دون التفاضل في الجنسين على ما ذكرنا من اختلاف أصولهم في الأصناف والأجناس وكل ما جاز فيه التفاضل من الطعام جاز بيع بعضه ببعض جزافا صبرا وغير صبر ومعلوما بمجهول ومجهولا بمجهول. وأما ما لا يجوز فيه التفاضل فلا يجوز بيعه جزافا ولا يباع منه معلوم بمجهول المقدار ولا مجهول بمعلوم المقدار وهذا كله قد تقدم مثله في باب بيع الفاكهة وذكرنا هناك أيضا مذهب الكوفيين في أن الجنس بانفراده يحرم النسيئة وكذلك الكيل والوزن عندهم كل واحد منهما بانفراده يحرم النسيئة وإن اختلف الجنس والشافعي ومالك والكوفيون متفقون في أن الصنف الواحد يحرم فيه النسيء والتفاضل في المأكول والمشروب المدخر عند مالك وعند الشافعي المأكول مدخر وغير مدخر والجنسان من المأكول والمشروب يجوز فيهما التفاضل ويحرم النسيئة على ما ذكرنا من اختلاف مالك والشافعي في المأكول غير المدخر وزاد الكوفيون على الحجازيين مراعاة الكيل والوزن وإن اختلف الجنس لأن الكيل والوزن عندهم كالجنس وغير المأكول والمشروب عندهم كالمأكول والمشروب إذا كان بوزن فهو جنس أو كان يكال فهو جنس والجنس عندهم الصنف عندنا وقد مضى ذلك كله في باب بيع الفاكهة بأبسط من هذا. وأما الذهب والفضة وإن كانا موزونين فلا يشبهما غيرهما من الموزونات عند الجميع لأنهما مسلمان في كل شيء من الموزون وغيره ولا يسلم بعضها ببعض. وقال مالك والشافعي لا يجوز أن يباع شيء من الطعام كله والإدام بعضه ببعض إلا يدا بيد. وقال أبو حنيفة إن افترقا في المجلس ثم تقابضا بعد لم يصر العقد وقول الليث في ذلك كقول مالك والشافعي وذلك عندهم كالصرف وخالف أبو حنيفة في قوله هذا بينه وبين الصرف قال مالك ومن صبر صبره طعام وقد علم كيلها ثم باعها جزافا وكتم المشتري كيلها فإن ذلك لا يصلح فإن أحب المشتري أن يرد ذلك الطعام على البائع رده بما كتمه كيله وغره وكذلك كل ما علم البائع كيله وعدده من الطعام وغيره ثم باعه جزافا ولم يعلم المشتري ذلك فإن المشتري إن أحب أن يرد ذلك على البائع رده ولم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك قال أبو عمر قد قال بقول مالك في ذلك الليث بن سعد والأوزاعي وروي ذلك عن بن سيرين وقد روي عن الأوزاعي أنه قال إذا اشترى شيئا مما يكال وحمله إلى بلد يوزن فيه لم يبعه جزافا وإن كان حيث حمله لا يكال ولا يوزن فلا بأس به. وأما الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي فقالوا لا بأس أن يبيع طعاما قد علم مقداره ممن لا يعلم مقداره وقد روى بن القاسم عن مالك أنه قال جائز بيع القثاء ونحوه جزافا وإن علم البائع عدده ولم يعلم المشتري لأن ذلك يختلف ولم يجز ذلك في الجزر وما أشبهه من المعدود قال أبو عمر ولا أعلم أصلا يحرم ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض وكل تجارة عن تراض لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها ولا كانت في معنى ما نهى عنه فجائز بظاهر القرآن ومن أبى من جواز ذلك جعله من باب الغش والتدليس بالعيب قال مالك ولا خير في الخبز قرص بقرصين ولا عظيم بصغير إذا كان بعض ذلك أكبر من بعض فأما إذا كان يتحرى أن يكون مثلا بمثل فلا بأس به وإن لم يوزن قال أبو عمر هذا تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه وقد روي عنه أن الخبز بالخبز فيه التفاضل والتساوي لأن الصناعة قد أخرجته عن أصل جنسه ذكره أبن خواز بنداذ عن مالك واختلف أصحابه في خبز القطاني بعضه ببعض أختلافا كثيرا قد ذكرناه في أختلاف قول مالك وأصحابه ولم يختلفوا في أن العجين بالعجين لا يجوز متفاضلا ولا متساويا وكذلك العجين بالدقيق عند أكثرهم. وأما الشافعي فلا يجوز عنده بيع الخبز بالخبز متفاضلا ولا متماثلا وكذلك العجين بالعجين وكذلك عنده كل شيء لا يجوز أصله إلا مثلا بمثل لا يجوز إذا خرج عن اصله بيع بعضه ببعض بحال لأنه وقف على صحة ما في كل واحد منهما من الأصل وأنه لا يدري مقدار ما في العجين من الماء وبعض الدقيق يحمل من الماء أكثر مما يحمل غيره وكذلك الطبخ فبلغ من بعض الخبز ما لم يبلغ من غيره ولا يجوز عند الشافعي بيع الخل بالخل متماثلا ولا متفاضلا لأنه لا يوقف على ما في كل واحد منهما من الماء فإن كان خل العنب لا ماء فيه فلا بأس ببيع بعضه ببعض متماثلا يدا بيد وكذلك الشرف بالشرف ولا يجوز عنده بيع الدقيق بالبر لا متفاضلا ولا متساويا ولا يجوز عنده يتحرى في شيء من الأشياء التي لا يجوز التفاضل في بيع بعضها ببعض ولا يجوز بيعها إلا مثلا بمثل لا يجوز التحري في شيء من ذلك كله لا في اللحم ولا في غيره ولا بد من وزن ما يوزن منها وكيل ما يكال والكيل عنده أصله ما كان يكال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والوزن ما كان يوزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصرف إلى الكيل ما كان يوزن على عهد النبي عليه السلام ولا إلى الوزن ما كان يكال على عهد النبي - عليه السلام. وأما أبو حنيفة فجائز عنده التفاضل في الخبز لأنه قد خرج عن جنسه وكملت فيه الصناعة وما جاز فيه التفاضل جاز فيه التحري ولا يجوز عند مالك بيع الحنطة المقلوة بالحنطة ويجوز عنده السويق بالبر وبالدقيق متفاضلا لما دخله من الصنعة وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة لا يباع السويق بالحنطة ولا بالدقيق متفاضلا ولا متساويا وهو قول الشافعي والثوري والأوزاعي والليث قال مالك لا يصلح مد زبد ومد لبن بمدي زبد وهو مثل الذي وصفنا من التمر الذي يباع صاعين من كبيس وصاعا من حشف بثلاثة أصوع من عجوة حين قال لصاحبه إن صاعين من كبيس بثلاثة أصوع من عجوة لا يصلح ففعل ذلك ليجيز بيعه وإنما جعل صاحب اللبن مع زبده ليأخذ فضل زبده على زبد صاحبه حين أدخل معه اللبن قال أبو عمر قول الشافعي في ذلك كقول مالك. وأما أبو حنيفة فجائز ذلك كله عنده لأنه يجوز عنده مد لبن بمد لبن ومد زبد بمد زبد ويكون المد من الزبد بالمد من الزبد. وأما الشافعي فلا يجوز عنده اللبن بالزبد بحال إذا كان من جنسه والألبان عنده أجناس لبن الغنم ماعزها وضأنها صنف واحد ولبن البقر غربيها وجواميسها صنف ولبن الإبل مهريها وعرابها صنف وإن اختلف الصنفان فلا بأس به متفاضلا يدا بيد واختلف قوله في اللحوم فقال المزني الأولى به أن تكون أصنافا كاللبن وهو قول الكوفي قال مالك والدقيق بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به وذلك لأنه أخلص الدقيق فباعه بالحنطة مثلا بمثل ولو جعل نصف المد من دقيق ونصفه من حنطة فباع ذلك بمد من حنطة كان ذلك مثل الذي وصفنا لا يصلح لأنه إنما أراد أن يأخذ فضل حنطته الجيدة حتى جعل معها الدقيق فهذا لا يصلح قال أبو عمر اختلف قول مالك في بيع الدقيق بالحنطة فالأشهر عنه والأكثر انه أجازه مثلا بمثل وهو قول الليث وبن شبرمة وروي عنه أنه منع منه وهو قول الشافعي والكوفي وبه قال بن الماجشون وقال هذا مثل الرطب بالتمر. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يجوز بيع الدقيق بالحنطة لا متماثلا ولا متفاضلا وكان عبد العزيز بن أبي سلمة يجيز بيع الدقيق بالقمح متفاضلا وروي عنه مثل قول الشافعي والأول أصح عنه وقال شعبة سألت بن شبرمة عن الدقيق بالبر فقال شيء لا بأس به قال شعبة وسألت الحكم وحمادا عن ذلك فكرهاه. وأما قول مالك في نصف مد دقيق ونصف مد من حنطة بمد من دقيق فقد بين علته في ذلك ووافقه الشافعي وأبو حنيفة في الجواب دون العلة لأنهما لا يجيزان بيع الدقيق بالحنطة أصلا ونحن على مذهب من أجاز بيعها مثلا بمثل لأنه نصف مد دقيق بمثله من دقيق ونصف مد حنطة بمثله من حنطة. 1306- مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب فقال إني رجل أبتاع الطعام يكون من الصكوك بالجار فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم فأعطى بالنصف طعاما فقال سعيد لا ولكن أعط أنت درهما وخذ بقيته طعاما قال أبو عمر قوله يكون من الصكوك بالجار ليس عند القعنبي ولا بن القاسم ولا أكثر الرواة ((للموطأ)) وإنما عندهم إني رجل أبتاع الطعام فربما ابتعت منه وهذا الحديث عند القعنبي عن مالك أنه بلغه أن رجلا سأل سعيد بن المسيب قال إني رجل أبتاع ليس فيه عنده وذكره بن أبي مريم وفي هذا الخبر دليل على أن ذلك الزمن لم يكن عندهم دراهم مكسورة ولا دنانير مقطوعة ولذلك قال سعيد قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض فلما لم يجد مبتاع الطعام بدينار ونصف درهم نصف درهم أمره سعيد أن يعطيه درهما ويأخذ ببقيته طعاما والمال يعني في دراهم سعيد أن يعطيه بأكثر من درهم طعاما فذلك عند أصحاب مالك على وجهين أحدهما أن يكون الطعام الذي يعطيه بنصف الدرهم من الطعام الذي ابتاع منه فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى والآخر أن يكون الطعام من غير الذي اشترى منه فيكون حنطة وذهبا بطعام وفضة فيدخله التفاضل بين الطعامين على ما قدمنا من أصل مذهب مالك في ذلك وإذا تم له الدرهم وأخذ به حنطة كان حينئذ دينار ودرهم في حنطة فلم يدخله شيء وعند الكوفيين لا يجوز أن يعطيه في نصف الدرهم طعاما من غير ما ابتاع ومما ابتاع منه إذا قبضه لأنه يكون بيع الطعام بإزاء مثله من الطعام وسائره بالدينار وعند الشافعي يكون شريكا له في الدرهم إن أراد ويستحب أيضا ما قاله سعيد. 1307- مالك أنه بلغه أن محمد بن سيرين كان يقول لا تبيعوا الحب في سنبلة حتى يبيض قال أبو عمر وهذا قد روي مرفوعا مسندا أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكير قال أخبرنا أبو داود قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهي وعن السنبل حتى تبيض ويأمن من العاهة نهى البائع والمشتري واخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكير بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الوارث بن سعيد التنوري عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى تزهي وعن السنبل حتى تبيض نهى البائع والمشتري وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل حتى تبيض دليل على أنه إذا ابيض جاز بيعه وفي مثل هذا حديث أنس بن مالك اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني أبو الوليد الطيالسي عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وهذا دليل على أنه إذا أشتد الحب وابيض السنبل جاز بيعه قبل حصاده وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وأهل المدينة وأهل الكوفة وأكثر أهل العلم إلى أن بيع الحب في سنبله إذا يبس واستغنى عن الماء وابيض السنبل جائز واختلفوا فيمن عليه حصاده ودرسه فقال بعضهم هذا على البائع حتى يسلم الحبة إلى المشتري مميزا من التبن وهو قول الكوفيين وقال غيرهم حصاده على المشتري. وقال الشافعي لا يجوز بيع الحب في سنبله كما لا يجوز بيعه محصودا في تبنه إلا أن يجوز شراء شاة مذبوحة عليها جلدها الحائل دون لحمها قال ولم أجد أحدا من أهل العلم يأخذ عشر الحبوب في أكمامها ولا يجوز بيع الحنطة بالحنطة في سنبلها قال ومن أجاز بيع الحنطة في سنبلها لزمه أن يجيزه في تبنها قال أبو عمر قد روى الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه سمعه يقول وقيل له في بيع الزرع إذا ابيض واشتد في سنبله خبر بإجازته عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال من رواه قيل له رواه إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الزرع حتى يبيض ويشتد قال ما أحفظ هذا الحديث ولا يجوز بيعه لأنه شيء غير معين وبيعه من بيع الغرر وإن صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المعرفة بالحديث ما وسعنا إلا اتباعه إلا أتباعه والقول به ولا يحل لأحد استعمال قياس ولا معقول مع ثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه وقال اضربوا عليه وكثيره من بيع الزرع في سنبله جائز كما جاء الخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر تحصيل مذهب الشافعي عند أصحابه أنه لا يجوز بيع ما لم يخلق كالمقاثي والموز والباذنجان والياسمين ولا بيع ما خلق فلم يقدر على تسليمه في حين البيع ولا بيع ما خلق وقدروا عليه إذا كان معينا في الأرض أو غيرها أو حال دون رؤيته حائل ولا بيع شيء خلط بغيره خلطا يمنع أن يعرف مقداره وهذا كله عنده من بيوع الغرر ولا يجوز شيء منه وإن وقع البيع فيه أبطله وسيأتي القول في بيع الغرر في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ولا يجوز عند الشافعي بيع الجزر ما دام عليه قشرتان حتى تزول القشرة العليا وتبقى في القشرة السفلى التي فيها بقاؤه ويصح النظر إليه قال مالك من اشترى طعاما بسعر معلوم إلى أجل مسمى فلما حل الأجل قال الذي عليه الطعام لصاحبه ليس عندي طعام فبعني الطعام الذي لك علي إلى أجل فيقول صاحب الطعام هذا لا يصلح لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى فيقول الذي عليه الطعام لغريمه فبعني طعاما إلى أجل حتى أقضيكه فهذا لا يصلح لأنه إنما يعطيه طعاما ثم يرده إليه فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الذي كان له عليه ويصير الطعام الذي أعطاه محللا فيما بينهما ويكون ذلك إذا فعلاه بيع الطعام قبل أن يستوفى قال أبو عمر أما إذا كان على حسب ما وصفه مالك فإنه أمر مكشوف فقد عقدا عليه غريمتها وظهر ذلك في فعلهما إذا قال له لا أبيعك الطعام الذي سلمت فيه إليك وحتى أقبضه فقال له بعني طعاما إلى أجل أصرفه إليك فضامن طعامك ويبقى ثمنه على مكانه إنما باعه الطعام الذي كان عليه بالثمن الذي عقده في الطعام الآخر فصار بيع الطعام قبل قبضه إلى سائر ما يدخله من وجوه الربا لأنه قد صرف الطعام الذي اشترى منه إليه وصار فعلهما ذلك وذريعة إلى تحليل ما لا يحل في بيع الطعام قبل أن يستوفى. وأما إذا ابتاع رجل طعاما من غريم له عليه طعام من غير شرط ولا إعادة معروفة ثم قضاه منه فإن ذلك جائز عند الشافعي وعند كل من لا يقول بإعمال الظن لقطع الذريعة لأن الله - عز وجل - لم يحرم على أحد أن يبتاع من غريمه سلعة بعد سلعة وأن يعامله معاملة بعد معاملة إذا كانا من أهل السلامة فإذا ملك الطعام الذي ابتاع منه بغير شرط ولا كلام هو كالشرط وقبضه وجائز فيه تصرفه جاز له أن يقضي منه ذلك الغريم ما عليه من الطعام كما له أن يفعل فيه ما أحب ولا يجوز ذلك عند مالك لأن الفعل القبيح عنده كأنه قد شرطه وقصده ولا ينفع عنده القول الحسن في البيع إذا كان الفعل قبيحا كما لا يضره عنده القول القبيح إذا كان الفعل حسنا ألا ترى أنه يجيز ما لا يجيزه أحد من العلماء غيره وذلك قول الرجل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا درهما على أن تعطيني في تلك الدراهم دينارا فأجاز ذلك مالك مع قبح الكلام لأنه يجمع بيقين في بيعه وصرفا متأخرا عند غيره. وأما عنده فإنما باعه تلك السلعة بالدينار وكان ذكر الدراهم عنده لغوا لم يلتفت إليه. وأما الشافعي فإنه لا يراعي فيما يحل ويحرم من البيوع بين المتبايعين إلا ما اشترطا وذكرا بألسنتهما وظهر من قولهما لإجماع العلماء على أنه إذا قال له أبيعك هذه الدراهم بدنانير أنظرك بها حولا أو شهرا لم يحل ولو قال أسلفني دراهم وأمهلني بها حولا أو شهرا جاز وليس بين ذلك الاختلاف لفظ القرض ولفظ البيع قال مالك في رجل له على رجل طعام ابتاعه منه ولغريمه على رجل طعام مثل ذلك الطعام فقال الذي عليه الطعام لغريمه أحيلك على غريم لي عليه مثل الطعام الذي لك علي بطعامك الذي لك علي قال مالك إن كان الذي عليه الطعام إنما هو طعام ابتاعه فأراد أن يحيل غريمه بطعام ابتاعه فإن ذلك لا يصلح وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى فإن كان الطعام سلفا حالا فلا بأس أن يحيل به غريمه لأن ذلك ليس ببيع ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غير أن أهل العلم قد اجتمعوا على أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة في الطعام وغيره قال مالك وذلك أن أهل العلم أنزلوه على وجه المعروف ولم ينزلوه على وجه البيع وذلك مثل الرجل يسلف الدراهم النقص فيقضي دراهم وازنة فيها فضل فيحل له ذلك ويجوز ولو اشترى منه دراهم نقصا بوازنة لم يحل ذلك ولو اشترط عليه حين أسلفه وازنة وإنما أعطاه نقصا لم يحل له ذلك. 1308- قال مالك ومما يشبه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة وأرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر وإنما فرق بين ذلك أن بيع المزابنة بيع على وجه المكايسة والتجارة وأن بيع العرايا على وجه المعروف لا مكايسة فيه قال أبو عمر أما قوله في أن الحوالة بالطعام إذا كان من بيع لا يجوز وإذا كان من قرض جاز فقد مضى القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى من ابتاعه لا من ملكه بأي وجه كان لأنه صلى الله عليه وسلم قال (( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه)) أو قال حتى يقبضه فخص مبتاع الطعام بذلك لأنه في ضمان غيره لا في ضمانه وجاز للوارث بيعه قبل أن يستوفيه لأنه غير مضمون على غيره وخالف الشافعي مالكا في القرض فلم ير بيعه قبل قبضه لأنه من ضمان المستقرض. وأما الحوالة به فرأى مالك أن الحوالة إن كانت نقل ذمة إلى ذمة وتحول ما على ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه برضا المستحيل فإنه عنده بيع من البيوع لأن البيع كل ما تعارض عليه المتعاوضان فلم تجز الحوالة في الطعام لمن ابتاعه كما لا يجوز بيعه قبل قبضه وقول الشافعي في ذلك كقول مالك قال الشافعي ولرجل عليه طعام فأحال به على رجل له عليه طعام لم يجز من قبل أن أصل ما كان له بيع وإحالته به بيع منه له بالطعام الذي عليه بطعام على غيره. وأما أبو حنيفة وأصحابه فلا بأس عندهم بالحوالة في السلم كله طعاما كان أو غيره وهو عندهم من باب الكفالة وجائز عندهم للمسلم أن يستحيل بما سلم فيه على من أحاله عليه المسلم إليه كما له أن يأخذ به رهنا وكفلا وأخرجوا الحوالة من البيع كما أخرجها الجميع من باب الدين بالدين ومن باب البيع أيضا ولو كانت الحوالة من البيع ما جاز أن يستحيل أحد بدنانير من دنانير أو بدراهم من دراهم لأنه ليس هاء وهاء. وأما قول مالك بأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام وغيره إلى آخر كلامه وأحسبه أراد أهل العلم في عصره أو شيوخه الذين أخذ عنهم. وأما سائر العلماء فأنهم لا يجيزون الشركة ولا التولية في الطعام لمن ابتاعه قبل أن يقبضه فأن الشركة والتوالية بيع من البيوع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه وستأتي هذه المسألة في بابها - إن شاء الله عز وجل. وأما قوله أنزلوه على وجه المعروف قال المعروف عند غيره من العلماء ليس بمعارضه ولا بدل في غيره وإنما هو إحسان لا عوض منه إلا الشكر والأجر. وأما السلف الذي هو القرض فقد وردت السنة المجتمع عليها فيه أن خير الناس أحسنهم قضاء وأن الزيادة فيه إذا اشترطت ربا وليس هكذا سبيل البيوع والعرايا بيع مخصوص في مقدار لا يتعدى وقد أنكروا على أبي حنيفة إذ لم يجعلها من البيوع وقد مضى ما للعلماء في العرايا مما أغنى عن تكراره ها هنا والحمد لله قال مالك ولا ينبغي أن يشتري رجل طعاما بربع أو ثلث أو كسر من درهم على أن يعطي بذلك طعاما إلى أجل قال أبو عمر قوله يعطي بذلك طعاما يريد الكسر كذلك رواه القعنبي وهذا بين في مذهبه واضح لأنه اشترى منه ببعض درهم طعاما قبضه على أن يعطيه عند الأجل بالكسر من الدراهم طعاما والدرهم لم يكن يتبعض عندهم ولا يجوز كسره عند أهل المدينة على ما قدمنا عنهم فيما مضى من هذا الكتاب في موضعه فلم يدفعه وشرط أن يعطيه في ذلك الكسر طعاما عند الأجل بهذا لا يجيزك أحد لأنه طعام بطعام إلى أجل وذكر الكسر من الدرهم لا معنى له لأنه قد شرط أن يعطيه فيه طعاما عند الأجل فكان ذكره لغوا وكان في معنى الحيلة أو الذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نسيئة هذا كله أصل مالك ومعنى قوله وقد ذكرنا قوله في الذي يبيع سلعته بدنانير على أن يعطيه بالدنانير كذا وكذا درهما أن بيعه لسلعته إنما هو بالدراهم وذكر الدينار لغو فكذلك ذكر الكسر من الدرهم هنا لغو وهو طعام بطعام إلى أجل. وأما الشافعي وأبو حنيفة فهو عندهما من بيعتين في بيعة ويدخله أيضا عندهما بيع الطعام بالطعام نسيئة قال مالك ولا بأس أن يبتاع الرجل طعاما بكسر من درهم إلى أجل ثم يعطي درهما ويأخذ بما بقي له من درهمه سلعة من السلع لأنه أعطى الكسر الذي عليه فضة وأخذ ببقية درهمه سلعة فهذا لا بأس به قال أبو عمر لأنهما صفقتان لا يدخلهما شيء من المكروه قال مالك ولا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما ثم يأخذ منه بربع أو بثلث أو بكسر معلوم سلعة معلومة فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم وقال الرجل آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لأنه غرر يقل مرة ويكثر مرة ولم يفترقا على بيع معلوم قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه للجهل بمبلغ ما يأخذ كل يوم بسعره لانخفاض الأسعار وارتفاعها قال مالك ومن باع طعاما جزافا ولم يستثن منه شيئا ثم بدا له أن يشتري منه شيئا فإنه لا يصلح له أن يشتري منه شيئا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه وذلك الثلث فما دونه فإن زاد على الثلث صار ذلك إلى المزابنة وإلى ما يكره فلا ينبغي له أن يشتري منه شيئا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه ولا يجوز له أن يستثني منه إلا الثلث فما دونه وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا قال أبو عمر أما قوله وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فإنه أراد أن الرجل إذا باع ثمر حائط له أن له أن يستثني منه ما بينه وبين ثلث التمر لا يجاوز ذلك على ما ذكره في باب ما يجوز في استثناء التمر وقال آخر أنه الأمر المجتمع عليه عندهم والصبرة عنده والجزاف من الطعام كله كثمرة الحائط سواء في بيع ذلك قبل قبضه كالعروض وقد مضى القول بما للعلماء في ذلك من المذاهب في ذلك الباب من هذا الكتاب. وأما قوله في هذه المسألة أنه إن زاد على الثلث صار إلى المزابنة فإنه يدل على أن بائع الطعام جزافا أراد أن يشتري منه طعاما بطعام مثله كيلا فرآه من الخطر والقمار والمزابنة لأنه لا يدري كم الباقي الذي وقعت عليه الصفقة الأولى وهذا ما كرهه جمهور العلماء على ما تقدم في باب الاستثناء وأجازه مالك في الثلث فما دون ولم يجزه فيما فوق ذلك وقد مضى القول فيه هنالك وقد سأل يحيى بن إبراهيم عيسى بن دينار عن تفسير هذه المسألة كلها فقال عيسى معنى هذا عند مالك قبل أن يعيب عليه المبتاع ويكون ذلك معاوضة من الثمن فإذا بان ذلك لا يصلح لأنه بيع وسلف قلت فإن كان قد غاب عليه فابتاعه منه كله معاوضة بنقد الثمن فيصلح ذلك أم لا قال لا قال قلت ولم قال لأنه زيادة في السلف كأنه أسلفه ذلك الطعام الذي غاب عليه ثم رده إليه ويزيده الذي بقي عليه من الثمن إلى آخر الأجل قال أبو عمر أما الشافعي والكوفي فلا يجوز عندهما لمن اشترى طعاما جزافا أن يبيعه حتى يقبضه بما يقبض له مثله وأقل ذلك أن ينقله من موضعه فإذا كان ذلك جاز عندهما لمن اشتراه وقبضه أن يبيع منه ما شاء على سنة البيوع إن كان بطعام يدا بيد على كل حال وإن كان من صنف واحد مثلا بمثل يدا بيد وإن كان بالذهب والفضة فكيف شاء المتبايعان على سنة البيوع وما غاب عليه المبتاع مع ما وصفنا وما لم يعب عليه من ذلك سواء وقد اختلف بن القاسم وأشهب في بيع التمر في رؤوس النخل بطعام حاضر من غير جنسه فقال بن القاسم لا يجوز ذلك إلا أن يأخذه قبل أن يفترقا وقال سحنون إذا يبس التمر فلا بأس باشترائه بالطعام نقدا وإن تفرق قبل الجذ لأن العقد فيها قبض ألا ترى أنه ليس فيها جائحة إذا يبست قال وكذلك قال لي أشهب. 24- باب الحكرة والتربص. 1309- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال لا حكرة في سوقنا لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله. 1310- مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق فقال له عمر بن الخطاب إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا. 1311- مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان ينهي عن الحكرة قال أبو عمر أما النهي عن الحكرة فقد روي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الحكرة من وجه صحيح إلا أن معناها الطعام الذي يكون قوتا عند الحاجة إليه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله بن نضلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يحتكر إلا خاطئ)) ورواه محمد بن فضيل عن بن إسحاق بإسناده مثله وزاد قال وكان معمر محتكرا ورواه بن عجلان عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول ((لا يحتكر إلا خاطئ)). قال فكان سعيد بن المسيب يحتكر فقيل له فقال كان معمر يحتكر قال أبو عمر إنما كان سعيد بن المسيب ومعمر يحتكران الزيت وليس عليه مخرج الحديث حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني القاسم بن أمامة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطعام قال وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت جرار سعيد بن المسيب التي كان يحتكر فيها الزيت قد أخرجت وأقيمت في الطريق قال أبو عمر. وأما حديث عمر في قصة حاطب فروى سفيان بن عيينة عن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من جاء أرضا بسلعة فليبعها كيف شاء وهذا سوقنا ولا يبع في سوقنا محتكر وذكر عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أنه سمع عبد الرحمن بن القاسم وعمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير ويحيى بن سعيد وذكر رجل في المجلس قول عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة إما أن يبيع بسعر السوق وإما أن يخرج من سوقنا فقالوا جميعا قد سمعنا هذا قالوا قال بن وهب وقال لي بن سمعان من فعل هذا من الولاة لا أصل أصاب ومن أقام على الناس ما بأيديهم من السلع جهل السنة وأثم في القيمة وأطعم المشتري بما لا يصلح له وإنما السعر يدا بيد هو يخفضه ويرفعه ليس إلى الناس من ذلك شيء قال وسمعت مالك بن أنس يقول لا يسعر على أهل الأسواق فإن ذلك ظلم ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع فحط هذا صاعا أمر أن يخرج من السوق وقال بن القاسم عن مالك لا تقوم على أحد سلعته وإنما يصنع في ذلك كما صنع بن الخطاب بحاطب قال بن القاسم الفواكه كلها والآدام والطعام وجميع الأشياء لا يقوم شيء منها بشيء منها على أهل الحوانيت ولا غيرهم وإنما يقال للواحد والاثنين إما أن تلحقا بأسعار الناس وإما قوما من السوق قال وإن كان واحدا واثنين أو ثلاثة رفعوا في السعر فحطوا مما يبيع الناس لم يقم لهم أهل السوق ولا يقام الكثير للقليل. وأما الحكرة فإن مالكا قال إذا قل الطعام في السوق واحتاج الناس إليه فمن اشترى منه شيئا للحكرة فهو مضر للمسلمين معتد في فعله ذلك فمن فعله فليخرجه إلى السوق وليبعه من أهل السوق بما ابتاعه ولا يزدد فيه. وأما إذا كثر الطعام في الأسواق وباروا استغنى المسلمون عنه فلا بأس حينئذ بالابتياع للحكرة قال وجميع الأشياء في ذلك كالطعام قال أبو عمر روى عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح التمار أنه سمع القاسم بن محمد يقول مر عمر بن الخطاب بحاطب وهو يبيع زبيبا فقال له عمر كيف تبيع فذكر له سعرا فقال له عمر إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع فرفع فجاء عمر بنفسه ثم رجع إلى حاطب فقال له إنما أخبرت أن عيرا مقبلة من الطائف بزبيب فأحببت أن تعتبر بسعرك فبع كيف شئت هكذا رواه طائفة عن الدراوردي منهم بن وهب وأبو أحمد الزبيري وعنه داود بن صالح التمار في هذا المعنى حديث مرفوع رواه عن أبيه عن أبي سعيد الخدري وداود هذا مدني مولى للأنصار وليس به بأس. وأما الشافعي فروى عن الدراوردي عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فذكر نحو حديث مالك إما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك بيتك فتبيعه كيف شئت فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطبا في داره فقال له عمر إن الذي قلت ليس بعزيمة مني ولا قضاء وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت وكيف شئت فبع قال الشافعي وليس هذا بخلاف لما رواه مالك لأن مالكا روى بعض الحديث وهذا العصاة قال الشافعي والناس مسلطون على أحد لهم ليس لأحد أن يأخذها ولا شيئا منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي أوجب الله تعالى عليهم فيها الحقوق وليس هذا منها قال الشافعي والحكرة المكروهة فيما هو قوت وعن الناس قوام لأبدانهم كالحنطة والشعير وما كان مثلها عند عدمها فلا يجوز لأحد الحكرة في حاجة الناس حتى لا يجدوا منه إلا ما يتبلغون به فحينئذ لا ينبغي لأحد أن يخرج ذهبه وورقه فيزاحم الناس على شر الطعام ليحتكره ويغلي على الناس أسعارهم وليمنع من ذلك ويؤدب عليه. وأما الفاكهة والآدام كله فلا بأس بحكرته في كل وقت وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت وقول أبي حنيفة وأصحابه في الحكرة نحو ذلك وقالوا لا يجوز التسعير على الناس ولا يصلح لأن الله عز وجل يقول (لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجرة عن تراض منكم) [النساء 29]. وقال الليث بن سعد وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد لا بأس بالتسعير على البائعين للطعام إذا خيف منهم أن يفسدوا أسواق المسلمين ويغلوا أسعارهم وحق على الوالي أن ينظر للمسلمين فيما يصلحهم ويعمهم نفعه قال الليث وقال ربيعة السوق موضع عصمة ومنفعة للمسلمين فلا ينبغي للوالي أن يترك أهل الأسواق وما أرادوه من أنفسهم إذا كان في ذلك فساد لغيرهم ولو كان في ذلك إخراجهم من السوق وإدخال غيرهم فيه والقيمة حسنة ولا بد منها عند الحاجة إليها مما لا يكون فسادا ينفر به الجالب ويمتنع به التاجر من البيع لأن ذلك أيضا باب فساد لا يدخل على الناس ولم يكن رأي الوالي إقامة السوق وإصلاحها قال ربيعة وإصلاح الأسواق حلال قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع من التسعير من وجوه صحيحة لا بأس بها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني قاسم بن إسماعيل قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله الأويسي. وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عثمان الدمشقي قالا حدثني سليمان بن بلال قال حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ! سعر فقال ((بل أدعو الله ثم جاءه رجل فقال يا رسول الله ! سعر فقال بل الله يرفع ويخفض وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة)). وحدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة. وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني عثمان بن أبي شيبة قالا حدثني عثمان قال حدثني حماد بن سلمة قال أخبرنا ثابت وقتادة عن حميد عن أنس قال غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس يا رسول الله ! سعر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وأني لأرجو أن ألقى الله ولا أرى أحدا يطلبني بالمظلمة في مال ولا دم ورواه سفيان بن موسى عن أنس عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروي عن علي بن أبي طالب مثله أنه سئل التسعير وأن يقوم السوق فأبى وكره ذلك حتى عرفت الكراهة فيه وقال السوق بيد الله يخفضها ويرفعها. 1312- مالك عن صالح بن كيسان عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل هكذا هذا الخبر في ((الموطأ)) عند جميع الرواة بالموطأ بهذا الإسناد ورواه عبد الحميد بن سليمان عن مالك عن بن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما أن عليا باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل فوهم فيه وأخطأ والصحيح في إسناده ما في ((الموطأ)). وأما إسناد عبد الحميد فإنما هو في حديث تحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية فاختلط عليه الإسناد ولم يقمه. 1313- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالزبذة. 1314- مالك أنه سأل بن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل فقال لا بأس بذلك قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يدا بيد ولا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم الجمل بالجمل يدا بيد والدراهم إلى أجل قال ولا خير في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم الدراهم نقدا والجمل إلى أجل وإن أخرت الجمل والدراهم لا خير في ذلك أيضا قال أبو عمر لا ربا عند مالك وأصحابه فيما عدا المطعوم والمشروب إذا ما كان أو قوتا والذهب والفضة إلا فيما دخل معناه الزيادة والسلف فإن الزيادة في السلف ربا عند جميع العلماء إذا كان ذلك مسلوفا معلوما مقصودا إليه مشترطا وعند مالك ما كان في معنى ذلك فله حكمه وإن لم يشترط ذلك ولا ذكر إذا آل إليه بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يدا بيد ليس فيه شيء من معنى السلف والزيادة عليه لأن السلف بنسيئة أبدا كان حالا أو إلى أجل يدا بيد فليس فيه شيء من معنى الزيادة في السلف وكذلك الجمل بالجمل يدا بيد والدراهم إلى أجل لأن الجمل بالجمل قد حصل يدا بيد فيبطل أن يتوهم فيه السلف وعلم أنه بيع ولا ربا في الحيوان بالحيوان من جهة البيع إلا ما ظن به أن فاعله قصد به استسلافه والزيادة على المثل فيه لموضع الأجل كما وصفنا. وأما الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم الدراهم نقدا والجمل إلى أجل فهذا لم يجز لأنه جمل بجمل مثله في صفته يأخذه إلى أجل وزيادة دراهم فصار كأنه أسلفه إياه قرضا إلى أجل على أن زاده دراهم معجلة وكذلك لو كان الجمل والدراهم جميعا إلى أجل لأنه كان استسلف الجمل على أن يرده إليه بصفته ويرد معه إليه دراهم لموضع السلف فهذا سلف جر منفعة وهي الزيادة على مثل ما أخذ المستسلف هذا كله مذهب مالك ومعنى قوله لأن الحيوان بالحيوان عنده لا يجوز فيه النسيئة إلا أن تختلف الأغراض فيه والمنافع بالنجابة والفراهة ونحو ذلك وإنما المراعاة في هذا الباب تأخير أحد الجملين وسواء كانت الدراهم نقدا أو نسيئة لأنه إذا تأخر أحد الجملين صار جملا بجمل نسيئة وزيادة دراهم فلا يجوز وقد قال بقول مالك في الجمل بالجمل محمد بن سيرين وقتادة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين ومعمر عن قتادة قالا لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم الدرهم نسيئة قالا فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه قال مالك ولا بأس أن يبتاع البعير النجيب بالبعيرين أو بالأبعرة من الحمولة من ماشية الإبل وإن كانت من نعم واحدة فلا بأس أن يشتري منها اثنان بواحد إلى أجل إذا اختلفت فبان اختلافها وإن أشبه بعضها بعضا واختلفت أجناسها أو لم تختلف فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن يؤخذ البعير بالبعيرين ليس بينهما تفاضل في نجابة ولا رحلة فإذا كان هذا على ما وصفت لك فلا يشتري منه اثنان بواحد إلى أجل ولا بأس أن تبيع ما اشتريت منها قبل أن تستوفيه من غير الذي اشتريته منه إذا انتقدت ثمنه قال أبو عمر يقول - رحمه الله إن النجابة والفراهة في الرحلة والسرعة إذا كان في الجهة الواحدة ولم يكن في الثانية خرج من أن يتوهم فيه السلف وصح أنه بيع لأن السلف إنما على المستلف له أن يرد مثله فإذا كان الشرط أنه لا بد مثله إلا بزيادة دراهم على أنه لا بيع ولا ربا في الحيوان في البيوع وجائز أن يؤخذ منه اثنان بواحد يدا بيد على كل حال اختلفت أو لم تختلف واثنان بواحد إلى أجل إذا اختلفت فبان اختلافه من هذا كله وقد تكرر وبان والحمد لله وحكم العبيد وسائر الحيوان في الاختلاف نحو ذلك إلا أن الاختلاف في العبيد أن يكون العبد والجارية لهما صفة ظاهرة كالطبخ والرقم والتجارة وما أشبه ذلك من الصناعات وليس الجمال والفراهة عند بن القاسم باختلاف وقال أصبغ ذلك اختلاف وكذلك قال بن القاسم في الجارية الكاتبة له أن يبيعها باثنتين لا يكتبان نسيئة وهو رأي أصبغ ومعنى ما في ((الموطأ)) أن الفصاحة والتجارة والنفاذ والمعرفة جائز أن يسلم من كان كذلك من العبيد فيمن ليس كذلك منهم واحد في اثنين وأكثر. وأما قوله إنه لا بأس أن تبيع منه ما اشتريت من قبل أن تستوفيه فقد مضى مذهبه أن الطعام مخصوص بذلك عنده دون ما عدا الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم ((من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه)) فقد خص الطعام ومضى قول من خالفه في ذلك أيضا. وأما قوله من غير الذي اشتريت منه فلانة لو باعه من الذي اشتراه منه بأكثر كانت الدراهم بأكثر منها وكان الجمل محللا لما يحرم من ذلك فإن باعه منه بمثل ما اشتراه منه في صفته وحاله جاز وارتفعت فيه التهمة. وأما قوله أنه جائز أن يبيعه من غير الذي اشتراه نقدا ولا يجوز إلى أجل فإنه عنده من باب فسخ دين في دين وذلك لا يجوز في غير الحوالة قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في بيع الحيوان بعضه ببعض يدا بيد ونسيئة فقول مالك في ذلك ما تقدم وتقدم تفسير مذهبه فيه. وأما الشافعي فلا ربا عنده في الحيوان بحال من الأحوال وجائز عنده بيع بعضه ببعض نقدا ونسيئة اختلف أو لم يختلف ولا ربا عنده إلا في الذهب والورق أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل او يشرب على مذهب سعيد بن المسيب وحجته في جواز بيع الحيوان بعضه ببعض نسيئة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن أبي سفيان بن مسلم عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش الزبيدي قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أنه ليس بأرضنا ذهب ولا فضة إنما نبيع البعير بالبعيرين والبقرة بالبقرتين والشاة بالشاتين فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إبل الصدقة قال عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين أبو سفيان المزني روى عنه بن إسحاق ما حاله قال مشهور ثقة قال قلت عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش الزبيدي قال هذا حديث مشهور قال أبو عمر قول أبي ثور في هذا الباب كقول الشافعي وقال أبو عبد الله المزني وهذا أصح الأقاويل وأقيسها وبه قال داود وروى معمر عن الزهري أنه سأله عن الحيوان بالحيوان نسيئة فقال سئل سعيد بن المسيب عن الحيوان فقال لا ربا في الحيوان واحتج الشافعي لمذهبه في ذلك بأحاديث مالك في أول هذا الباب عن علي بن أبي طالب وبن عمر وبن شهاب ولا حجة له في ذلك لأنه قد روي عن علي بن أبي طالب خلاف ذلك رواه معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه سأل بن عمر عن بعير ببعيرين نظرة قال لا فسأل أبي بن عباس فقال قد يكون البعير خيرا من البعيرين وروى عبد الرزاق عن الأسلمي عن عبد الله بن أبي بكر عن بن أبي بكر عن بن قسيط عن بن المسيب عن علي - رضي الله عنه - أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة قال أبو عمر حديث مالك عن علي أثبت من هذا والأسلمي ليس بالقوي. وأما سعيد بن المسيب وبن شهاب فلا خلاف بينهما فيما ذهب إليه الشافعي وهو قول رافع بن خديج وبن عباس قال أبو عمر إذا حمل ما روي عن علي وبن عمر على معنى ما ذهب إليه مالك لم يختلف المعنى في ذلك وصح استعماله من غير تضاد وبالله التوفيق وقال سفيان الثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة اختلف أو لم يختلف ومن حجتهم حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وروى معمر عن يحيى بن كثير عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الحيوان بالحيوان نسيئة هكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى عن عكرمة مرسلا وذكر عن الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال سمعت محمد بن الحنفية يكره بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وقال عكرمة وعن معمر قال قال الحسن إذا اختلفا إلى أجل فلا بأس به يقول الغنم بالبقر والبقر بالإبل وأشباه هذا ولا خلاف بين العلماء الكوفيين والحجازيين وغيرهم أنه لا بأس ببيع الحيوان بالحيوان متفاضلا يدا بيد قال أبو عمر يحتمل أن يحتج لمذهب مالك بالحديثين المرفوعين في هذا الباب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث سمرة فيكون المعنى في حديث عبد الله بن عمرو وإذا اختلفت الأغراض والمنافع على ما وصفنا من مذهبه في ذلك ويكون معنى حديث سمرة إذا لم تختلف فلا يجوز بيع طعامها يقع بعضها ببعض نسيئة فيستعمل الحديثان على هذا إلا أن الأصل في البيوع أنها حلال إذا كانت تجارة عن تراض إلا ما حرمه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نصا أو كان في معنى النص فإن ذلك حرام وإن تراضى به المتبايعان وإذا تعارضت الآثار في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة سقطت وكانت الحجة في عموم ظاهر القرآن لأنها تجارة عن تراض وبالله التوفيق قال مالك ومن سلف في شيء من الحيوان إلى أجل مسمى فوصفه وحلاه ونقد ثمنه فذلك جائز وهو لازم للبائع والمبتاع على ما وصفا وحليا ولم يزل ذلك من عمل الناس الجائز بينهم والذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في السلم في الحيوان الموصوف فقال مالك والشافعي والليث والأوزاعي السلف في الحيوان الموصوف جائز كسائر الموصوفات وهو قول عبد الله بن عمر وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز السلف في الحيوان وهو قول بن مسعود وعبد الرحمن بن سمرة قال أبو عمر احتج من لم يجز السلف في الحيوان بأنه لا يضبط ضبطا صحيحا بالصفة لأن السن واللون يتباينان تباينا بعيدا لأن الفاره القوي يكون متقدما في الثمن والقيمة والجودة والفراهات ونحو هذا في سائر الحيوان واحتج أهل الحجاز بأن الحيوان يثبت في الذمة بالصفة بدليل ثبوت ذلك في الذمة من الإبل كبنت مخاض وبنت لبون وجذعة وحقة وخلفه ومعلوم أنها تختلف وقد جاءت السنة في الديات بثبوتها في ذمة من وجبت عليه واحتجوا - أيضا - بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقرض بكرا على إبل الصدقة قال أبو عبد الله المروزي حدثني أبو قدامة قال سألت يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي عن السلم في الحيوان فقالا لا بأس به واحتجا بحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا وسيأتي الكلام في حديث بن رافع هذا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل.
|